الجمعة 29 صفر 1442هـ

الموافق 16 أكتوبر 2020 م

الحمد لله الحميد المجيد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، البر التواب الشهيد، أدنى إلى عبده من حبل الوريد، يُحصي ويبتدئ ثم يعيد، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى والنور والقرآن المجيد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه من كل بر سعيدٍ، وعلى جميع من سار على نهجهم، واهتدى بهديهم، إلى يوم الحشر والوعيد  وسلم تسليماً كثيراً.

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: لقد خلق الله الإنسان، وجعل حياته تمر بثلاث مراحل: مرحلة الضعف، وهي مرحلة الطفولة والصغر، وفيها يبدو الإنسان محتاجاً إلى الرعاية والعناية، ويبذل والداه جهوداً كبيرة في مساعدته والحفاظ عليه، ثم مرحلة الشباب، وهي مرحلة القوة والنشاط والهمة، والعمل الكادح والإنتاج، وفي هذه المرحلة يعد الإنسان ساعد الحياة القوي، والمسئول عن تقدمها أو تأخرها، إلى أن يصل إلى مرحلة الضعف والشيخوخة، وفي هذه المرحلة تتراجع قوة الإنسان، وينحسر عطاؤه ونشاطه، وتتوقف الكثير من أعماله وحركاته، حتى يعود محتاجاً مرة أخرى إلى المساعدة والعون، والعطف والرحمة.

وكل واحد منا لا بد أنه سيمر بهذه المراحل الثلاث، وَقَدْ وَصَفَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ المَرَاحِلَ الثَّلاثَ، فقال سبحانه: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً، يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) يقف الإنسان عند آخر هذه الحياة فينظر إليها وكأنها نسجٌ من الخيال، أو ضرب من الأحلام، يقف في آخر سِنِيِّ عمره وقد ضعف بدنه، ورق عظمه، فأصبحت آلامه متعددة: ضعُف البدن، وثقُل السمع، وتهاوت القوى، وتجعّد الجلد، وابيضَّ الشعر، يمشي بثلاث بدل اثنين، هكذا يكون حال الإنسان إذا تقدم به العمر، وهذه المرحلة من مراحل السن هي سنة الله في خلقه، ولم يسلم منها حتى الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، ألم تسمعوا عن زكريا عليه السلام ينادى ربه: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِياً) ولذلك؛ فإن من عظمة الإسلام أنه كما اهتمّ بالإنسان صغيراً ووجّه الأسرة والمجتمع إلى رعايته والاهتمام به، فإنه كذلك أمر بحسن رعاية واحترام الكبير في الإسلام مهما كان، أباً أو أماً، أخاً أو أختاً، عماً أم خالاً قريباً أم بعيداً، جاراً أم صديقاً، معروفاً أم غريباً، قال تعالى عن الوالدين: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً).

عبـــــاد الله: لقد جعل الإسلام احترام الكبير نوعاً من أنواع إجلال الله وتعظيمه، فقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ).

وكان صلى الله عليه وسلم إذا تحدث إليه اثنان بدأ بالأكبر سناً، ويقول: (كبِّر كبِّر). يبدأ الأكبرُ قبلَ أن يبدأَ الأصغر، هكذا أمر الإسلام.

وكبيرُ السِّن الذي شاب شعره، ومضى دهرُه وعمْرُه، تشتدّ رغبته وحاجته إلى مَن يُشعره بالمحبة والاحترام، ومَن يُجِلُّه ويحفظُ شيبته بالبرِّ والإكرام. فقد عاش جُلَّ حياتِه في العمل وكسبِ العيش، وقضاءِ الحوائج، والكدِّ على الأهل والأولاد، فلمَّا كبرت سنُّه، وخانته أركانُه: جلس وحيداً فريداً بين الجدران.

والمرأة الكبيرةُ كذلك، قضتْ حياتها في خدمةِ زوجها، وتربيةِ أولادها، ومتابعةِ شؤون بيتها، ثم بعد هذه الحياة الزاخرة، تعيش أسيرة المنزل والبيت، إنْ أحسن إليها أحدٌ زارها زيارةً خاطفة، وجلسةً عابرة قصيرة.

فما أشدَّ ما يُعانيه كثيرٌ منهم من المللِ، والْكآبةِ والفراغ.ولأجل هذا حثَّ الإسلامُ على

إكرامهم والعنايةِ بهم.. فهذا إمامنا وقدوتُنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يوم أنْ دخل مكة فاتحاً مُنتصراً وإذا بأَبي بَكْرٍ الصديق رضي الله عنه آخذاً بيدي أبيه أَبِي قُحَافَةَ، ذلك الشيخ الكبير، يسوقه إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ لأبي بكر: (أَلَا تَرَكْتَهُ حَتَّى نَكُونَ نَحْنُ الَّذِي نَأْتِيهِ)، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَأْتِيَكَ.. ثم إنه عليه الصلاة والسلام وضع يده على صدره، ودعاه إلى الإسلام، فشرح الله صدره للإسلام، فأسلم رضي الله عنه وأرضاه… وفي مراعاة المشاعر للإخوة الأكابر،فقد أوتيَّ صلى الله عليه وسلم بشَرَابٍ، فَشَرِبَ وعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ وعَنْ يَسَارِهِ الأشْيَاخُ الكبار، فَقالَ لِلْغُلَامِ: إنْ أذِنْتَ لي أعْطَيْتُ هَؤُلَاءِ، فَقالَ: ما كُنْتُ لِأُوثِرَ بنَصِيبِي مِنْكَ يا رَسولَ اللَّهِ أحَداً، فوضعه في يَدِهِ) قال أهل العلم: وفعله صلى الله عليه وسلم ذلك تأليفًاً لقلوب الأشياخ وإعلاماً بودهم، وإيثار كرامتهم إذا لم تمنع منه سُنة، فتقديمهم مخصوص إذا لم يكن الحق لغيرهم… أيها المسلمون: لقد أصبح الكبير اليوم مع الأسف الشديد عند بعض الناس غريباً حتى بين أهلِه وأولاده، ثقيلاً حتى على أقربائه وأحفاده، فمن الذي يؤانسه؟ ومن الذي يجالسه؟ ومن الذي يحدثه ويباسطه، إذا تكلم قاطعه الصبيان، وإذا أبدى رأياً ومشورة سفّهه السفهاء الصغار، وإذا خرج من بيته كان يخرج – بالأمس – لزيارة الأصدقاء والخلان، يقضي لهم الحاجات ويواسيهم بالصلات والأعطيات، واليوم إذا خرج كبير السن إنما يخرج بالأشجان والأحزان، ليعود مرضاهم أو يشيع جنائزهم، فالله يعلم كيف يكون حاله إذا رجع إلى بيته، يعود بالقلب المجروح المنكسر، وبالعين الدامعة، والحزن قد فتّت كبده، والآسى قطّع فؤاده، ودمع العين ينهمل من وجهه، ذهب الأصدقاء وذهب الخلّان، وذهب الأحباب، وبقي وحيداً فريداً، ينتظر أمر الله سبحانه تعالى… يا معاشر الكبار، الله يرحم ضعفكم، الله يجبر كسركم، في الله عوض عن الفائتين، في الله أنس للمستوحشين.. يا معاشر الكبار، أنتم كبار في قلوبنا، وكبار في نفوسنا، وكبار في عيوننا، كبار بعظيم حسناتكم وفضلكم بعد الله علينا، أنتم الذين علمتم وربيتم وبنيتم وقدمتم وضحيتم لئن نسي الكثير فضلكم فإن الله لا ينسى، ولئن جحد الكثير معروفكم فإن المعروف لا يَبْلى، ولئن طال العهد على ما قدمتموه من خيرات وتضحيات، فإن الخير يدوم ويبقى ثم إلى ربك المنتهى، وعنده الجزاء الأوفى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً)… يا معاشر الكبار، أمّا الآلام والأسقام التي تجدونها في أجسادكم فالملائكة كتبت حسناتها، والله عظم أجورها، وستجدونها بين يدي الله، فالله أعلم كم كان لهذه الأسقام والآلام من حسنات ودرجات، اليوم تُزعجكم وتقلقكم وتُبكيكم وتقض مضاجعكم، ولكنها غداً بإذن الله، بين يدي الله تفرحكم وتضحككم، فاصبروا على البلاء واحتسبوا عند الله جزيل الأجر والثناء، فإن الله لا يمنع عبده المؤمن حسن العطاء، قال صلى الله عليه وسلم: (عجَباً لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيراً لهُ)

عظّم الله أجوركم، وأجزل في الآخرة ثوابكم فأحسنوا الظن بما تجدونه عند الله ربكم.

عباد الله: إن كبار السن ينبغي أن يظهر عليهم في كبر سنهم الوقار والطمأنينة، والحرص على الخير، والبعد عن المحرمات، والإقبال على الله عز وجل، لأن كلاً منهم يشعر بدنو الأجل، ومفارقة هذه الحياة الدنيا؛ دخل سليمان بن عبد الملك المسجد، فرأى رجلاً مسنًّا كبيراً، فدنا منه، فقال له: يا شيخ: أتحب الموت؟! قال: لا، قال: ولم ذاك؟! قال: ذهب الشباب وشره، وجاء الكبر وخيره، فأنا إذا قمت قلت: بسم الله، وإذا قعدت قلت: الحمد لله، فأنا أريد أن يبقى هذا لي، فيكثر الله حسناتي، وهذا هو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ).. عباد الله: إن هؤلاء الأفاضل الأخيار والأماثل الأبرار أهل الدعاء والسجود والطاعة والإقبال على الله، أهل الإكثار من الاستغفار، الداعين الله لهم ولذويهم ولعموم المسلمين، حقهم علينا أن نعرف قدرهم، وأن نرعى مكانتهم، فهم والله زينة البيوت وجمالها ألا فلنتقِّ الله في كبار السن… أما أنتم يا معشر الشباب، فاعلموا أن إجلال الكبير وتوقيره ومساعدته لقضاء حوائجه، سنة من سنن الأنبياء والرسل، قال الله تعالى: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)… يا معشر الشباب: ارحموا كبار السن ووقروهم امتثالاً لأمر نبيكم صلى الله عليه وسلم الذي يقول: مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، ويَعْرِفْ حَقَ كَبِيرِنَا؛ فَليْسَ مِنَّا) وخاصة الآباء والأمهات والأجداد والجدات، ثم الأعمام والعمات، والأخوال والخالات، طاعة لأمر الله عز وجل: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) وإن توقير الكبير لا ينحصر في تصديره في المجالس وتقبيل رأسه، وتقديمه في الدخول والخروج وما شابه ذلك فحسب، مما يتأدب به الناس معهم؛ ولكنه توقير عامّ، يشمل توقير الكبير في عقله ونظره ورأيه ومشورته، والانتفاع بحكمته ورأيه المحنك لطول التجربة والمراس في الحياة، إذا كان الأمر كذلك، فكيف إذا جمع الكبير مع طول التجربة وعمق الخبرة فقهاً وعلماً في الدين ؟

يا معشر الشباب: أنشروا واذكروا ما كان من حسنات الكبار، وإذا كانت هناك سيئات وهنات فاستروها واغفروها، فإنه ليس من البر إظهار زلة من أحسن إليك دهراً.

واعلموا أيها الشباب أن البركة في كل شيء تكون مع كبار السن وهذا والله أمر محسوس ملموس وكم من قصص وروايات تحكي لنا أن البركة نزعت لما مات ذا شيبة كان في البيت وهذا مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْبَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمِ).. أيها الشباب: ما تزرعه الآن من خير مع الكبار، تحصده غداً عند الكبر ولا يظلم ربك أحداً، فالجزاء من جنس العمل: قَالَ صلى الله عليه وسلم: (مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخاً لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ كبر سِنِّهِ)

اللهم ارحم كبارنا، ووفق للخير صغارنا، وخذ بنواصينا لما يرضيك عنا. اللهم اختم لنا بخير، اللهم اختم لنا بخير، اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم اجعل أسعد اللحظات وأعزها لحظة الوقوف بين يديك برحمتك يا أرحم الراحمين.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 الخطبة الثانية

الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب شديد العقاب، ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلم، أيتها المسلمة، يا من بلغه الله طول العمر: إذا رق عظمك، وشاب شعرك، فقد أتاك النذير، (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ) قال بعض أهل العلم: وهْنُ العظام، والشيب في الشعر والرأس، تذكرة وتنبيه من الله جل جلاله، وإلا فلربما غفلوا وكانوا عن طاعته بعيدين، فرحمهم الله جل وعلا بهذا النذير؛ حتى يُحسن خاتمتهم.

كان بعض السلف رحمهم الله إذا بلغ أربعين سنة لزم المساجد، وسأل الله العفو عما سلف ومضى، وكان يسأله الإحسان فيما بقي من الأزمان، كما تعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ، وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) واليوم مع الأسف الشديد نرى بعض أبناء الستين والسبعين في الحياة يلهثون وراء الدنيا، ويعيشون في الغفلة واللهو، وضياع الوقت والإكثار من مجالس الغيبة والنميمة والقيل والقال والتقصير في الطاعات، واعلم أخي المُسنّ أنه لم ينته البذل لديك فابذله ولا تحرم الناس من خبرتك.. وكن قدوةً لأولادك وأهلك، ومجتمعك ووطنك، كن محافظًاً على الخير والطاعات ليكرموك، وابتعد عن الخطأ والزلل فأنت قدوة للصغار، ينظرون إليك نظرة إجلال واقتداء، فاحذر يا كبير السنّ من المخالفة والعصيان أو بتصرفات لا تليق بعمرك، فلقد عابت العرب على الكبير سفاهته، حتى قال قائلهم:

وَإَنَّ سَفَاهَ الشَّـيْخِ لا حِلْمَ بَعْـدَهُ

وَإِنَّ الفَتَـى بَعْدَ السَّفَاهَةِ يَحْلُـمِ

أحسنوا رحمكم الله بعد عمر طويل بإذن الله، أحسنوا الختام، وأقبلوا على الله جل جلاله بسلام، وودِّعوا الدنيا بأحسن الأعمال وشيم الكرام، فالأعمال بالخواتيم… سُئل بعض السلف الصالح فقيل له: من أسعد الناس؟ قال: (أسعد الناس من ختم الله له بالخير). أسعد الناس من حسُنت خاتمته، وجاءت على الخير قيامتُه، قال رجل يا رسولَ اللَّهِ أيُّ النَّاسِ خيرٌ ؟ قالَ : مَن طالَ عمرُهُ، وحَسنَ عملُهُ ، قالَ : فأيُّ النَّاسِ شرٌّ ؟ قالَ : مَن طالَ عمرُهُ وساءَ عمله) واعلموا رحمكم الله أن مما يحفظُ الصحةَ والقوة مع كبر السن: طاعة الله تعالى وعدم استخدام الجوارح في معصيته وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (أحفظ الله يحفظك)، فمن حفظ الله في صباه وقوته حفظه الله في حال كبره وضعف قوته، ومتَّعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله.. عباد الله: لقد وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ العُمُرَ  يُزَادُ فِيهِ ويطول بإذن الله بِبَعضِ الأَعمَالِ الصالحة، كبرِّ الوالدين، وصلة الأرحام، وحسن الخُلق، وحسن الجوار، والمحافظة على الصلوات، وتقوى الله عز وجل، وذكر الله تعالى والاستغفار وتربية الأَبنَاء الصَّالِحين، وَالعِلم النَّافِع، وَبِنَاء المَسَاجِدِ، وَتَوقِيف المَنَافِعِ العَامَّةِ، وَالصَّدَقَات الجَارِيَةُ، وأن يحتسب المسلم والمسلمة الأجر والثواب في كل قول وعمل يقوم به ولو كان ذلك من العادات مثل نومه وأكله وشربه وعمله ونفقته على أهله… نسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبارك في أعمالنا وأعمارنا، وأن يطيل في أعمارنا على أعمال صالحة يرضى الله بها عنا برحمته وفضله وكرمه إنه سميع الدعاء. اللهم إنا نسألك زيادة في الدين، وبركة في العمر، وصحة في الجسد، وسعة في الرزق، وحسن الخاتمة، وتوبة قبل الموت، وشهادة عند الموت ومغفرة بعد الموت وعفواً عند الحساب وأماناً من العذاب ونصيباً من الجنة برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أغفر لآبائنا وأمهاتنا، وذوي الحقوق علينا، اللهم ألطف بهم كما لطفوا بنا، وبرهم كما بروا بنا، وتحنن عليهم كما تحننوا علينا، وانظر لهم بعين الرحمة والرضوان، اللهم اجعل لهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية، اللهم من كان منهم حياً فأعنا على بره وطاعته والإحسان إليه، ونعوذ بك من العقوق والجحود، ومن كان منهم ميتاً فاغفر له وأرحمه وتجاوز عن سيئاته، وأجعل قبره روضة من رياض الجنة برحمتك وفضلك  يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين،اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.

اللهم أكتب الصحة والعافية والشفاء العاجل لسمو رئيس الوزراء خليفة بن سلمان ورده إلى وطنه سالماً معافى ياذ الجلال والإكرام.

اللهم وفِّق المسئولين والعاملينَ والمتطوعين في فريق البحرين الوطني في القطاع الصحي والعسكري والأمني والإعلامي والإداري والتطوعي، اللهم أَعِنْهم وانفع بهم، وبارك في جهودهم، وسدِّد رأيَهم وألهمهم الصوابَ والرشدَ، وأحفظهم من كل سوء ومكروه برحمتك وفضلك وجودك يا أرحم الراحمين.

اللهم أرفع البلاء والوباء عن بلادنا وبلاد المسلمين وبلاد العالم أجمعين.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين  في كل مكان ناصراً ومؤيداً، وانصرهم على عدوك وعدوهم يارب العالمين..  اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله وأطلق قيده، وفك أسره، وأحي في قلوب المسلمين والمؤمنين حبه ونصرته واجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين… اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا، واشف مرضانا واشف مرضانا وارحم موتانا وعلمائنا وارحم والدينا برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ. (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ  وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

     خطبة جامع الفاتح الإسلامي –  عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين.